يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
--------------------------------------------------------------------------------
قال تعالى- : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
يقول الله عز وجل مخاطبا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرا لهم بالصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيه أسوة حسنة وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك كما قال تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات" الآية ، ولهذا قال هاهنا " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان ولهذا ثبت في الصحيحين" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ثم بين مقدار الصوم وأنه ليس في كل يوم لئلا يشق على النفوس فتضعف عن حمله وأدائه بل في أيام معدودات وقد كان هذا في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان
قال عباد بن منصور عن الحسن البصري " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " فقال نعم والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا وأياما معدودات عددا معلوما
وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم "
وعن ابن عمر قال أنزلت " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" كتب عليهم إذا صلى أحدهم العتمة ونام حرم عليه الطعام والشراب والنساء
وأما تأويل قوله : { لعلكم تتقون } فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه , يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .
وقال الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله- : في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فبين الله الحكمة من فرض الصيام وهي تقوى الله عز وجل وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحكمة من الصوم أن يدع الإنسان قول الزور والعمل به والجهل فأما قول الزور فهو كل قول محرم لأن كل قول محرم زور لأزوراره عن الصراط المستقيم وانحرافه عنه وكذلك العمل بالزور يشمل كل عمل محرم وأما الجهل فهو العدوان على الناس وظلمهم بأنفسهم وفي أموالهم وفي دمائهم وأعراضهم.
وعلى الصائم أن يجعل لصيامه ميزة، فعن جابر رضي الله عنه أنه قال: " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الغيبة والنميمة، ودع أذى الجار، وليكن عليك السكينة والوقار ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء "
وعلى الصائم أن يحفظ جوارحه عن الخصومة اذا سابه أحد أو شاتمه. لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
«إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب فإن امرؤ سابه أو شاتمه فليقل إني صائم» وفي رواية: «إني امرؤ صائم».
روى أحمد في مسنده: أن امرأتين صامتا، فكادتا أن تموت من العطش فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهما، ثم ذكرتا له فدعاهما وأمرهما أن يتقيئا فقاءتا ملء قدح قيحاً ودماً وصديداً فقال:
«إن هاتين صامتا عن ما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا يأكلان لحوم الناس».
وقال عليه الصلاة والسلام: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر».
فإن لم يكن الصيام كذلك فإنه يكون كما قال بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تعــاون *** وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ *** وإن قلت إني صمت يومي فما صمت