في المحافظة على الصلاة وفضل المشي إليها
الحمدُ لله الذي هدانا للإِسلام، وبيَّن لنا الحكم والأحكام، وأوْضَح لنا السبلَ الموصلة لدار السلام، ودعانا لما فيه خيرُ الأنام، أحمده - سبحانه - حمدَ عبدٍ أطاع مولاه، لما إليه دعاه، وأشكره والشكر له مِن نِعمه العظام، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، سيِّد الأنام، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه البَرَرة الكِرام، ومصابيح الدُّجا ونجوم الظلام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا أيها الناس:
اتَّقوا الله - تعالى - وحافِظوا على الصلوات في الجُمَع والجماعات، وبادِروا إلى الحضورِ إليها عندَ النداء إليها، واعلموا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد منحَكم فضلًا عظيمًا، فلا تُفَوِّتُوا عليكم فضلَ ربِّكم.
ففي الحديثِ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن غدا إلى المسجدِ أو راح أعدَّ الله له في الجنة نُزلًا كلّما غدَا أو راح))[1].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تَطهَّر في بيتِه ثم مضَى إلى بيت مِن بيوت الله؛ ليقضيَ فريضة مِن فرائض الل،ه كانتْ خُطواته أحدها تَحطُّ خطيئة والأخرى ترفَع درجة))[2].
فاحضُروا إلى الصلاة بنيَّة صالِحة وقلوب حاضِرة واعية احضروها بأدبٍ وخشوع، واعلموا أنَّ أحدَكم في صلاة ما دامتِ الصلاة تحبسه، والملائكة تُصلِّي عليه ما دام في مصلاَّه.
عباد الله، إنَّ للصلاة فضلًا عظيمًا؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصلواتُ الخمس، والجُمُعة إلى الجمعة، كفَّارة لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر))[3].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثَل الصلوات الخمس كمثَل نهر غَمْرٍ جارٍ على بابِ أحدِكم يغتسلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ)) [4].
فانظروا - رحِمكم الله - إلى هذا الفضلِ العظيم من ربِّكم فزكُّوا أنفسكم، فقدْ أفلح مَن زكَّاها، وطهِّروها من الذنوب والمعاصي فقدْ خاب مَن دسَّاها، حقِّقوا إيمانَكم بالمحافظة على الصلاة مع الجماعة في المساجد.
ففي الحديثِ عن أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا رأيتُم الرجلَ يعتاد المساجدَ، فاشهدوا له بالإِيمان))[5].
قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18].
واحذروا من الاتِّصاف بالمنافقين الذين لا يأتون الصلاةَ إلا وهم كُسالَى، واعلموا أنَّ لها حِكمًا وآدابًا وفضائل، مِن ذلك أنها تُطهِّر النفوس وتزكِّيها، وتصِل العبد بربِّه حين يقِف بين يديه - سبحانه وتعالى - خاشعًا متذلِّلًا يُناجيه، مقبلًا عليه بقلبه، مستحضرًا عظمته - جلّ وعلا - ومِن ذلك أنَّها تنهاه عن الفحشاءِ والمنكَر، وتُقرِّبه من الله في الدار الآخِرة.
إنَّها نور وبرهان ونجاةٌ للعبد يومَ القيامة، إنها تجمع المكلَّف كلَّ يوم وليلة خمس مرَّات بإخوانٍ له؛ ليعرفَ حالهم ويتفقَّد أحوالهم، ليعرفَ مريضهم فيعوده، ومسافرَهم فيدعو له، وحاضرَهم فليتصق به مَنكبُه إلى منكبه، وكعْبه إلى كعبه، يتراصُّ معه في صفٍّ بين يدي إلهٍ واحد خالِق الجميع ورازقهم، لا فضلَ عنده لعربي على عجمي إلا بالتقوى، إنَّ أكرمكم عندَ الله أتقاكم، ويجتمع في كلِّ أسبوع في اجتماع أكثر وأكبر في مِثل هذا اليوم العظيم الذي ما طلعَتِ الشمسُ ولا غربَتْ على أفضل منه، يجتمع بإخوان له كانوا متفرِّقين في نواحي البَلدة في داخلها وخارجها، في مصالحهم ومعايشهم، يجتمعون اجتماعاتٍ أصغرَ في المساجد المتفرِّقة كلَّ يوم وليلة خمس مرَّات، في هذا اليوم العظيم يُناديهم الله - سبحانه وتعالى – لاجتماعٍ أكبرَ، يجتمعون لذِكْر الله على أحسنِ هيئة، وأطيب رِيح: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. يدعوهم الله - سبحانه وتعالى - ليُنصِتوا إلى ما يُلقَى عليهم من ذِكْر ومواعظ، وترغيب وترهيب، قد تفرَّغوا من الشواغل وما يُلهيهم عن الإِنصات والتدبُّر.
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يغتسل رجلٌ يومَ الجُمُعة، ويتطهَّر ما استطاع من طُهر، ويَدَّهِن من دهنه أو يمسّ مِن طِيب بيته، ثم يخرج فلا يُفرِّق بيْن اثنين، ثم يُصلِّي ما كُتِب له، ثم يُنصت إذا تكلَّم الإمامُ إلا غُفِر له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرى))[6].
فإذا قُضِيت الصلاةُ خرَجوا لابتغاء فضل الله: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، فما أحلاه مِن اجتماع وأطيبَه من اتصال! يتَّصل الأخ بأخيه، يتفقَّد حاله ويسأل عن أحواله، بعدَ أن غاب عنه مُدَّةَ أسبوع، قد لا يَدري ماذا حصَل له وعليه، تلك من حِكم الصلاة وفضائلها والاجتماع لها.
فيا عباد الله:
تأدَّبوا بآدابِ الإسلام، وتَخلَّقُوا بأخلاق سيِّد الأنام، فالخير كل الخير في تعاليمه، وإيَّاكم والتفريطَ والزُّهدَ في تعاليم دِينكم، تفقَّدوا أحوالكم، وقارنوا ما أنتم عليه من حالٍ وبين ما دعاكم إليه ربُّكم ونبيُّكم، هل زادكم هذا الاجتماع تآخيًا ومودَّةً وحنانًا؟ فذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء، فاشكروا الله على ذلك، أم أنَّكم على نفوركم وتوحُّش بعضِكم من بعض؟ فاتَّهموا أنفسكم وعالِجوا قلوبَكم بالدواء النافع، فمَن لم تنهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكَر لا شكَّ أنه مصاب، فليتفقَّد إيمانه؛ إنَّما المؤمنون إخوة، المؤمِن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا، المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتَكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالحمَّى والسهر.
فاتقوا الله يا عباد الله، وتأدَّبوا بآداب الإسلام وتخلَّقوا بأخلاق سيِّد الأنام، وحافظوا على الصلوات في أوقاتها؛ لتفوزوا بسعادةِ الدنيا والآخِرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله العظيم: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9-11].
بارَك الله لي ولَكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري رقم (662) - الفتح: 2/148، وأخرجه مسلم (669).
[2] أخرجه مسلم (666).
[3] أخرجه مسلم (233).
[4] أخرجه مسلم (668).
[5] سبق تخريجه (ص: 39).
[6] أخرجه البخاري رقم (910) - الفتح: (2/392).